الخصخصة- كفاءة وجودة وعدالة اجتماعية وتنمية اقتصادية.
المؤلف: محمد مفتي08.11.2025

الخصخصة، في جوهرها الحقيقي، تتجاوز مجرد تحويل ملكية وإدارة المؤسسات الحكومية إلى القطاع الخاص، سواء كان ذلك التحويل جزئياً أو كاملاً. إنها تمثل بالأحرى، إدخال قوى السوق الديناميكية، وآليات العرض والطلب المتغيرة، وتقنيات المنافسة المحفزة إلى صميم اقتصاد الدولة، في كافة قطاعاته وفروعه المتنوعة. ولهذا، تهدف الخصخصة إلى تحقيق العديد من الأهداف الجوهرية، وعلى رأسها رفع مستوى الكفاءة وتحقيق أعلى معايير الجودة وترشيد الإنفاق الحكومي. هذه الأهداف بدورها، تنعكس إيجاباً على تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة والتنمية الاقتصادية المستدامة، وهما الهدفان اللذان سيعودان بالنفع على المواطن العادي، الذي سيتخلص من قيود البيروقراطية والروتين، سواء الظاهر منها أو الخفي، في جميع تعاملاته اليومية. هذا التوجه سيعزز دور الدولة المحوري في عملية التنظيم والإدارة والتخطيط والمراقبة، مما يجعلها أكثر تركيزاً على تحقيق استراتيجياتها وسياساتها العليا. وفي المقابل، سيمنح القطاع الخاص فرصة ذهبية للاضطلاع بدور أكثر فعالية وأهمية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في آن واحد.
لقد تناولتُ بإسهاب في العديد من المقالات المنشورة في صحيفة «عكاظ» الأهمية البالغة للخصخصة ودورها الحيوي في بناء المجتمعات الحديثة في عالمنا المعاصر، وقدمتُ أمثلة متنوعة في قطاعات حيوية مثل النقل والتعليم الجامعي. وأرى أن هناك العديد من المؤسسات الحكومية التي لا تزال بحاجة ماسة إلى المزيد من الضبط والتنظيم المحكم والرقابة الفعالة وإعادة الهيكلة الشاملة. ولعل من أهم آليات الضبط والتنظيم، هو ترسيم هذه المؤسسات التي لا يمكن خصخصتها عملياً، لأنها تشكل أحد أركان سيادة الدولة، تماماً مثل قطاع الأمن والدفاع. وأبرز هذه المؤسسات هو مرفق القضاء. هذا الترسيم، بدوره، سيساهم في تطوير هذه القطاعات وتحسين أدائها. ومن ناحية أخرى، سيقلل من نسبة المخالفات والتجاوزات. وقد بدأت بالفعل وزارة العدل في تنفيذ خصخصة جزئية لبعض مرافقها، وعلى رأسها إشراك القطاع الخاص في أعمال التوثيق، وفي الأعمال المساندة لقضاء التنفيذ.
واستناداً إلى تجارب الدول الأخرى في تطوير أنظمتها السيادية، فإن تطوير مرفق القضاء، باعتباره أحد المرافق الحيوية للدولة، يمثل ضرورة ملحة، ومن شأنه تحقيق فوائد جمة على كافة المستويات. وبالنظر إلى المحاكم في المملكة، نجد أنها تضم العشرات من المحاكم بمختلف درجاتها ودوائرها، والتي تعج بمئات الآلاف من القضايا التي يرفعها المواطنون والمقيمون لأسباب مختلفة كل يوم. هذه المحاكم تبذل قصارى جهدها لخدمة ملايين المواطنين والمقيمين في جميع أنحاء المملكة، وتعمل على البت في هذه القضايا بشكل شهري. وفي الواقع، فإن إصلاح إجراءات النظام القضائي لا يقتصر على التنظيم الإداري فحسب. فالسعي لتنويع محاكم القضاء العام أو إنشاء محاكم متخصصة أو التركيز على الارتقاء بمهنة المحاماة وتطويرها، لن يحل المشكلة من جذورها. بل يجب إصلاح المنظومة القضائية بأكملها من خلال إدخال آليات ترسيم القضاء، والذي يعني فرض الغرامات أو العقوبات على المخالفين والخارجين على القانون.
إذا تفحصنا العديد من الدعاوى القضائية التي يرفعها المتضررون في المحاكم السعودية، سنجد أنها قضايا بسيطة، أو بالأحرى مجرد نزاعات خلافية يمكن حلها بطرق أخرى دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء. والواقع أن ما يشجع الناس على رفع الدعاوى القضائية هو مجانية التحكيم والقضاء في مثل هذه القضايا، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى اكتظاظ شديد وعشوائية وتدافع في رفع الدعاوى القضائية. وقد لجأت العديد من الدول المتقدمة إلى فرض رسوم على التقاضي للحد من هذه الظواهر العشوائية. وفي نهاية المطاف، وعند صدور الحكم النهائي، تلزم المحاكم "الطرف المذنب فقط" بدفع المصاريف القضائية وإجراءات التقاضي، كنوع من العقوبة الإضافية.
لا شك أن الهدف الأساسي من إقامة سلطة قضائية في أي مجتمع هو حماية المجتمع ككل، والدفاع عن حقوق الضحايا، والسعي للحد من ارتكاب الجرائم. ومن الوسائل المهمة للحد من ارتكاب الجرائم، هو تنفير الناس من الإقدام عليها من خلال العقوبات الرادعة، والتي تظل دائماً جرس إنذار يدق في أذن الشخص قبل أن يقدم على حماقة قد تكلفه الكثير من ماله، أو عمره، أو سمعته. وأذكر تجربة شخصية مررت بها قبل سنوات في إحدى الدول الغربية، عندما تجاوزت السرعة القانونية بفارق كبير عما هو مقرر سلفاً "110 أميال مقابل السرعة القصوى 70"، وهو ما دفع رجل الشرطة إلى تحويل المخالفة إلى المحكمة دون الاكتفاء بفرض الغرامة. وفي المحكمة، تم إثبات خطئي، فقامت المحكمة بفرض ثلاث عقوبات: دفع قيمة غرامة تجاوز السرعة، ودفع رسوم التقاضي وإجراءات المحاكمة، وتسجيل ثلاث نقاط على رخصة قيادتي.
إن القبول بفكرة ترسيم القضاء لا يعني بأي حال من الأحوال فرض المزيد من الأعباء على المواطن، بل هو محاولة للحد من المخالفات بأنواعها ودرجاتها المختلفة، لأنها لن تفرض إلا على المخالفين والخارجين على القانون، تماماً كما هو الحال مع غرامات المرور. كما أن هذه الرسوم ستدفع الكثيرين إلى التفكير ملياً قبل الإقدام على رفع أي دعوى قضائية، لأنهم سيعلمون مسبقاً أنه في حال عدم جدية هذه الدعوى، فإن المحكمة لن تكتفي بالحكم بعبارة "لا وجه لإقامة الدعوى"، بل ستلزم المدعي بتحمل رسوم التقاضي. أما الشخص غير المذنب، فلن تمثل له هذه الرسوم أي عبء إضافي، لأنه سيكون من أوائل الملتزمين بسيادة القانون.
لقد تناولتُ بإسهاب في العديد من المقالات المنشورة في صحيفة «عكاظ» الأهمية البالغة للخصخصة ودورها الحيوي في بناء المجتمعات الحديثة في عالمنا المعاصر، وقدمتُ أمثلة متنوعة في قطاعات حيوية مثل النقل والتعليم الجامعي. وأرى أن هناك العديد من المؤسسات الحكومية التي لا تزال بحاجة ماسة إلى المزيد من الضبط والتنظيم المحكم والرقابة الفعالة وإعادة الهيكلة الشاملة. ولعل من أهم آليات الضبط والتنظيم، هو ترسيم هذه المؤسسات التي لا يمكن خصخصتها عملياً، لأنها تشكل أحد أركان سيادة الدولة، تماماً مثل قطاع الأمن والدفاع. وأبرز هذه المؤسسات هو مرفق القضاء. هذا الترسيم، بدوره، سيساهم في تطوير هذه القطاعات وتحسين أدائها. ومن ناحية أخرى، سيقلل من نسبة المخالفات والتجاوزات. وقد بدأت بالفعل وزارة العدل في تنفيذ خصخصة جزئية لبعض مرافقها، وعلى رأسها إشراك القطاع الخاص في أعمال التوثيق، وفي الأعمال المساندة لقضاء التنفيذ.
واستناداً إلى تجارب الدول الأخرى في تطوير أنظمتها السيادية، فإن تطوير مرفق القضاء، باعتباره أحد المرافق الحيوية للدولة، يمثل ضرورة ملحة، ومن شأنه تحقيق فوائد جمة على كافة المستويات. وبالنظر إلى المحاكم في المملكة، نجد أنها تضم العشرات من المحاكم بمختلف درجاتها ودوائرها، والتي تعج بمئات الآلاف من القضايا التي يرفعها المواطنون والمقيمون لأسباب مختلفة كل يوم. هذه المحاكم تبذل قصارى جهدها لخدمة ملايين المواطنين والمقيمين في جميع أنحاء المملكة، وتعمل على البت في هذه القضايا بشكل شهري. وفي الواقع، فإن إصلاح إجراءات النظام القضائي لا يقتصر على التنظيم الإداري فحسب. فالسعي لتنويع محاكم القضاء العام أو إنشاء محاكم متخصصة أو التركيز على الارتقاء بمهنة المحاماة وتطويرها، لن يحل المشكلة من جذورها. بل يجب إصلاح المنظومة القضائية بأكملها من خلال إدخال آليات ترسيم القضاء، والذي يعني فرض الغرامات أو العقوبات على المخالفين والخارجين على القانون.
إذا تفحصنا العديد من الدعاوى القضائية التي يرفعها المتضررون في المحاكم السعودية، سنجد أنها قضايا بسيطة، أو بالأحرى مجرد نزاعات خلافية يمكن حلها بطرق أخرى دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء. والواقع أن ما يشجع الناس على رفع الدعاوى القضائية هو مجانية التحكيم والقضاء في مثل هذه القضايا، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى اكتظاظ شديد وعشوائية وتدافع في رفع الدعاوى القضائية. وقد لجأت العديد من الدول المتقدمة إلى فرض رسوم على التقاضي للحد من هذه الظواهر العشوائية. وفي نهاية المطاف، وعند صدور الحكم النهائي، تلزم المحاكم "الطرف المذنب فقط" بدفع المصاريف القضائية وإجراءات التقاضي، كنوع من العقوبة الإضافية.
لا شك أن الهدف الأساسي من إقامة سلطة قضائية في أي مجتمع هو حماية المجتمع ككل، والدفاع عن حقوق الضحايا، والسعي للحد من ارتكاب الجرائم. ومن الوسائل المهمة للحد من ارتكاب الجرائم، هو تنفير الناس من الإقدام عليها من خلال العقوبات الرادعة، والتي تظل دائماً جرس إنذار يدق في أذن الشخص قبل أن يقدم على حماقة قد تكلفه الكثير من ماله، أو عمره، أو سمعته. وأذكر تجربة شخصية مررت بها قبل سنوات في إحدى الدول الغربية، عندما تجاوزت السرعة القانونية بفارق كبير عما هو مقرر سلفاً "110 أميال مقابل السرعة القصوى 70"، وهو ما دفع رجل الشرطة إلى تحويل المخالفة إلى المحكمة دون الاكتفاء بفرض الغرامة. وفي المحكمة، تم إثبات خطئي، فقامت المحكمة بفرض ثلاث عقوبات: دفع قيمة غرامة تجاوز السرعة، ودفع رسوم التقاضي وإجراءات المحاكمة، وتسجيل ثلاث نقاط على رخصة قيادتي.
إن القبول بفكرة ترسيم القضاء لا يعني بأي حال من الأحوال فرض المزيد من الأعباء على المواطن، بل هو محاولة للحد من المخالفات بأنواعها ودرجاتها المختلفة، لأنها لن تفرض إلا على المخالفين والخارجين على القانون، تماماً كما هو الحال مع غرامات المرور. كما أن هذه الرسوم ستدفع الكثيرين إلى التفكير ملياً قبل الإقدام على رفع أي دعوى قضائية، لأنهم سيعلمون مسبقاً أنه في حال عدم جدية هذه الدعوى، فإن المحكمة لن تكتفي بالحكم بعبارة "لا وجه لإقامة الدعوى"، بل ستلزم المدعي بتحمل رسوم التقاضي. أما الشخص غير المذنب، فلن تمثل له هذه الرسوم أي عبء إضافي، لأنه سيكون من أوائل الملتزمين بسيادة القانون.